التسرب النفطي, تلوث أسود

 

التسرب النفطي, تلوث أسود

            كثرة في الآونة الأخيرة حوادث التسرب النفطي, و بات النفط هذا الوقود الأحفوري الذي أستخدم في اواخر القرن التاسع عشر و أدى الي تغيير وجه الحضارة البشرية بشكل كبير حيث طغي الجانب الايجابي على شكل الحياة بعده, الا أن الجانب السلبي لهذه المادة الطبيعية التي تستخرج من التكوينات الجيولوجية في جوف الارض فاق كل الحدود   حيث تعد هذه المادة من أخطر المواد التي يمكنها أن تلوث المجال البري و البحري وهذا بسبب طبيعتها الكيميائية المعقدة, فالنفط كيميائيا هو مزيج من الهيدروكربونات, أي أنه يحتوى في تركيبته على ذرات الكربون و الهيدروجين فقط,  ما يجعل منه مادة كيميائية مدمرة للبيئة,  فرغم أن التسرب النفطي هو عملية اطلاق غير متعمدة للسوائل الهيدروكربونية البترولية في البيئة, الا أنه يعد من أخطر أنواع التلوث, هو تلوث أسود,  يقوم بتوجيه ضربات موجعة جدا للبيئة, قد لا تتمكن من الاستفاقة منها الا بعد عدة شهور و ربما سنوات من الكارثة, و تختلف درجة التلوث حسب نمط التسرب النفطي, فما هي أنماط التسرب النفطي؟ و ما هي أهم حوادث التسرب النفطي في العالم؟ و كيف تتم مواجهتها؟

التسرب النفطي تلوث أسود

          تختلف درجة ضرر التسرب النفطي على البيئة و تقيم حسب نوعية المواد المتسربة و طبيعتها و كميتها و المساحة المنتشرة فيها اضافة الى تقييم الزمن اللازم لتحللها و تفككها, كلها معايير يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من أجل تحديد طريقة التعامل مع التسريب و ضبط الاجراءات المتبعة للحد منه و حصره, و عليه فقد تم تقسيم التسرب النفطي الى عدة أنماط ( (A .B.C.D, حيث يحتوى النمط A من التسرب النفطي على نفط خام خفيف عالي الجودة كما يتميز بطبيعته السائلة, ورائحته القوية و سرعة انتشاره, ما يجعله من أكثر أنواع النفط ضررا و احداثا للتلوث,حيث يتلاشى هذا النمط من التسرب النفطي في المياه بسرعة الا أنه يؤثر على الكائنات البحرية في القسم المائي العلوي, كما أن اثاره تبقى لفترة طويلة في التربة, ليليه النمط B من التسرب النفطي , و الذي يتميز باحتوائه على نفط خام خفيف منخفض الجودة و أقل سمية من النمط A  الا أنه أكثر قدرة على البقاء على سطح الماء مشكلا طبقة رقيقة على سطح الماء  و هذا ما يجعل منه ملوثا طويل الأمد, النمط الثالث من التسرب النفطي هو النمط C حيث يتضمن هذا النمط مختلف أنواع النفط الخام كما أنه يتميز بلزوجة عالية و قوام ثقيل مع بطئ الانتشار, حيث أنه يحتاج وقتا اطول للاختلاط بالتربة مقارنة مع الانماط السابقة, و لديه قدرة عالية للالتصاق بسطح الماء و يحتاج لوقت طويل من أجل ان يتلاشى ما يزيد ضرره على مختلف أشكال الحياة, أما النمط الأخير من التسرب النفطي فهو النمط D حيث يكون النفط في هذا النمط في حالته الصلبة ما يجعله أقل سمية و ضررا, و تحديد النمط بدقة أثناء التسرب النفطي يوفر على التقنيين الكثير من الوقت و الجهد و يساعدهم في التحكم فيه و تحديد اي استراتيجية ملائمة لحصره^,.  

          حيث شهد العالم على مر السنوات الكثير من حوادث التسرب النفطي و التي ألحقت بالغ الضرر بالبيئة و المحيط الحيوي, نذكر أشهرها حادثة انفجار ناقلة النفط العملاقة  سنة 1991 و التي كانت تابعة لأرامكو ميلفورد هيفين, و التي كانت محملة بما يقارب مليون برميل من النفط الخام, حيث اشتعلت فيها النيران قرابة السواحل الايطالية, و تسرب ما يعادل 50 ألف طن من النفط الخام في مياه البحر الأبيض المتوسط, حيث ظلت سواحل ايطاليا و فرنسا ملوثة على مدار 12 عام بعد الحادثة, و في نفس العام حدثت حرائق أبار النفط الكويتية حيث تعتبر هذه الحادثة من أكبر الحوادث البيئية في العالم, أين قام الجيش العراقي بتفجير أكثر من 727 بئر نفطي ما أدى الى ظهور غيمة سوداء قاتمة غطت سماء الكويت و الدول المجاورة لها, بل و ووصلت الى غاية دول الخليج العربي و الدول المطلة على المحيط الهندي, ما أدي الى حصول الكثير من المشاكل البيئية و تلون الجو بلحاف أسود 

           بعد عقدين من الزمن شهد العالم, أحد أشرس التسربات النفطية على الاطلاق, ففي عام 2010 و تحديدا في خليج الميكسيك غرقت منصة بحرية لاستخراج النفط تابعة لشركة بريتيش بيتروليوم البريطانية بعد وقوع انفجار في البئرالواقع على عمق 1500 متر تحت سطح البحر و ذلك في 22 أبريل 2010, في خليج الميكسيك, حيث يعتبر هذا التسرب النفطي الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة الامريكية و العالم, حيث قدرت كمية النفط المتسربة من البئر ب 4,9 مليون برميل تسربت من البئر متسببة في انتشار بقعة نفطية كبيرة, حيث تم أغلاق البئر في سبتمبر 2010 الا أن تقارير ظهرت في 2012 أثبتت بقاء التسرب و احداث تلوث أسود,

            و بعد عقد من الزمن عاد سيناريو التسرب النفطي للظهور مرة أخرى, حيث دمرت بقعة نفط أجمل شواطئ العالم والقبلة السياحية الاروع و قضت على أندر الكائنات البحرية و النباتية, حيث تعود بنا الاحداث الي 25 من شهر يوليو 2020 حين ارتطمت ناقلة النفط و البضائع (أم. في. واكاشيو) التابعة لشركة يابانية بشعاب مرجانية قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للجزيرة الواقعة في المحيط الهندي, حيث كانت تقل هذه الناقلة على متنها حوالى 3800 طن من النفط و 200 طن من الديزال, هذا الارتطام أدي الى حدوث تسرب نفطي في السواحل قدر ب 1800 طن من النفط غطي السواحل بلون أسود, و أدي الى نفوق العديد من الانواع البحرية النادرة و تعريض الشعاب المرجانية و الاسماك و الحياة البحرية للخطر, أعلنت جمهورية موريشيوس حالة الطوارئ و اعتبرتها الكارثة البيئية الأسو في تاريخ موريشيوس, حيث أكد بعض العلماء أن التأثير الكامل للتسرب النفطي لم يظهر بعد, و أن الأضرار قد تؤثر على موريشيوس و اقتصادها المعتمد على السياحة لعشرات السنين.

                   حتي الجزائر لم تسلم من التسرب النفطي, ففي الثالث من سبتمبر 2020, أكد مجمع سوناطراك من وقوع تسربين نفطيين على مستوى الانبوب OK1  بمنطقة البعاج بولاية الوادي الواقعة جنوب الجزائر, حيث يربط هذا الأنبوب بين منطقة حوض الحمراء بحاسي مسعود و سكيكدة, حيث يتعلق التسرب الأول بمخرج محطة الضخ  SP2 ببلدية جامعة بولاية الوادي و الواقع بالنقطة الكيلومترية (190+200PK), اما التسرب الثاني فسجل بالنقطة الكيلومترية (263 PK) بمنطقة البعاج بالولاية المنتدبة للمغير, و في بيان لمجمع سونطراك فان هذا التسرب نتج عن سوء الأحوال الجوية في ولايات الجنوب و حدث على مستوى واد في المنطقة و هو في حالة فيضان, كما أكد المجمع عن عزل المقطع بين النقطتين كإجراء أولي و اتخاذ كل التدابير للأزمة من أجل السيطرة على الوضع و الحفاظ عن البيئة, الا أنه الى اليوم لم تصدر اي معلومات جديدة حول كمية النفط المتسرب و الأثار التي خلفها على البيئة. 

         و تبقي البيئة دائما تنتظر الاعدام, بين حدوث تسرب نفطي و انتظار أخر, و ما أقساه من انتظار, فانتظار انفجار الناقلة صافر المهجورة و القابعة قبالة الشواطئ اليمنية منذ 2015 , هذه القنبلة العائمة والتي تحتوي على ما يعادل مليون برميل من النفط الخام, أصبحت تهدد البيئة البحرية بتسرب نفطي في البحر الأحمر قد يفوق أي كارثة نفطية في العالم,   حيث  أن الأمم المتحدة دقت ناقوس الخطر بشأن ما تمثله هذه السفينة من خطر إلحاق كارثة بيئية وبشرية غير مسبوقة بالمنطقة، الا إن المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على الشواطئ يمنعون في الوقت الحالي أي تدخل في الموضوع؛ لأن الحكومة اليمنية تدّعي ملكية الشحنة.

          تحدي كبير و حقيقي يواجهه العالم كل لحظة انه التلوث الاسود او التسرب النفطي الذي رفع الستار عن التقصير الفاضح و المتواطئ في ادارة الكوارث البيئية, فبعد كل تسرب تشيع البيئة الى مثواها الأخير, و يشرف على مراسم الدفن جلادوها و ابناؤها جنبا الى جنب, لا جلادوها يعاقبون و لا ابنائها ينتقمون, يمضون على سجل العزاء ابرام صداقات جديدة وصفقات مربحة و ينسجون ثوب كفن للبيئة. 

بقلم الغزالة بشرى صديقة البيئة