القائمة الرئيسية

الصفحات

المبادئ التي يرتكز عليها النظام القانوني لحماية البيئة في الجزائر

  

المبادئ التي يرتكز عليها النظام القانوني لحماية البيئة فى الجزائر  


        نظرا لكون البيئة أصبحت عرضة للاستغلال الغير الرشيد وإدخال مواد كيميائية وصناعية ونفايات المصانع، بدت الحاجة ملحة لقواعد قانونية أو نظامية تضبط سلوك الإنسان في تعامله مع بيئته على نحو يحفظ عليه توازنها الإيكولوجي فكان قانون حماية البيئة الذي يمكن تعريفه " بأنه مجموعة القواعد القانونية ذات الطبيعة الفنية التي تنظم نشاط الإنسان في علاقته بالبيئة والوسط الطبيعي الذي يعيش فيه وتحدد ماهية البيئة وأنماط النشاط المحظور الذي يؤدي إلى اختلال التوازن الفطري بين مكوناتها والآثار القانونية المترتبة على مثل هذا النشاط" حيث نتناول في هذا المقال المبادئ التي يرتكز عليها النظام القانوني في الجزائر.

قانون حماية البيئة في اطار التمية المستدامة رقم 03-10

       نظرا للمعطيات الجديدة التي عرفها العالم لاسيما التطور التكنولوجي والحضري رأى المشرع الجزائري  إلى ضرورة إصدار قانون جديد يتعلق بحماية البيئة وهو القانون03/10 المؤرخ في19 يوليو2003 ولقد حدد هذا القانون المبادئ الأساسية لحماية البيئة والمتمثلة في:

المبادئ التى يرنكز عليها النظام القانوني لحماية البيئة في الجزائر
 مبادئ قانون البيئة 




الفرع الأول: المبادئ ذات الطابع الوقائي

أولا:مبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي وعدم تدهور المبادئ الطبيعية

1/  مبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي:

        ومؤداه حظر كل نشاط يلحق أضرار بالتنوع البيولوجي، ويعد هذا المبدأ امتداد لما أقرته اتفاقية التنوع الحيوي والبيولوجي المعروفة باتفاقية واشنطن المنعقدة سنة 1973 والمقصود بالتنوع البيولوجي أو الحيوي أوسع من أن يكون الاختلاف في أنواع الحيوانات مثل الثدييات والطيور وغيرها،وإنما أصبح يعني التنوع لدى الكائن الحي ذاته لكن من وجهة النظر الظاهري، فهو يتعلق بتحديد التنوع والاختلاف بين الجينات داخل النوع الواحد.

  وأصدر المشرع الجزائري القانون رقم 11/02 مؤرخ في 17 فيفري 2011 يتعلق بالمجالات المحمية في إطار التنمية المستدامة، استكمالا للنصوص القانونية السابقة لحماية التنوع البيولوجي في الجزائر، وتأكيدا على أهمية المحافظة على هذه الثروة كإجراء وقائي قبل وقوع الضرر .
 

2/ مبدأ عدم تدهور المبادئ الطبيعية:

      الذي بمقتضاه يتجنب إلحاق الضرر بالموارد الطبيعية كالماء والهواء والأرض وباطن الأرض والتي تعتبر في كل الحالات جزء لا يتجزأ من مسار التنمية ولا تؤخذ بصفة منعزلة في تحقيق تنمية مستدامة.

    وينبغي في هذه الحال الاحتفاظ بهذه الموارد الثمينة وعدم تلويثها مهما كانت الدواعي، كمبرر التصنيع أو الإنتاج أو التنقيب عن المناجم، بل ينبغي أن يكون استغلالها في سياق التنمية المستدامة بما يحقق حماية هذه الموارد الطبيعية ويضمن حاجات الأجيال في الحاضر والمستقبل. 


ثانيا: مبدأ الاستبدال والإدماج

1/ مبدأ الاستبدال:

      والمراد بهذا المبدأ استبدال عمل مضر بالبيئة بآخر يكون أقل خطرا عليها ويختار هذا النشاط الأخير حتى ولو كانت تكلفته مرتفعة، مادامت مناسبة للقيم البيئية موضوع الحماية البيئية.

      و كإجراء تطبيقي لهذا المبدأ، نسجل قرار وزير التهيئة العمرانية والبيئة في شهر جويلية سنة 2008 بغلق مصنع مادة الإسمنت أميانت ومشتقاته بمفتاح بولاية البليدة نتيجة الأخطار الصحية التي وقعت لعمال المصنع والسكان المقيمين بالقرب من المصنع بعد تسجيل إصابات بمرض السرطان في أوساطهم، وقد نجم عن تشغيل المصنع تدهور بيئي خطير. وإثر هذا التردي البيئي، تم تنصيب لجنة مختصة عملت على إزالة الشوائب والتلوث وتنظيف المصنع نهائيا من هذه المادة، لاستبدال نشاطه بنشاط آخر يحترم حقوق حماية البيئة .                                                          

    وقدرت المبالغ المقررة لتعويض المتضررين بنحو 17 مليار سنتيم، وهو ما يمثل عبئا ثقيلا على الدولة.(1)

    وتطبيقا لنفس المبدأ، صادقت اللجنة البرلماني الأروبية للبيئة والصحة العامة والأمن الغذائي في أكتوبر 2006 في بروكسل على قرار يقضي باستبدال صناعات المواد الكيميائية الخطيرة بصناعات لمواد كيماوية صديقة للبيئة، ويقضي نفس القرار على صناعيي هذه المواد تطبيق مبدأ حق الإعلام لتوفير معلومات للسكان تتعلق بالمواد المنتجة حفاظا على صحتهم وبيئتهم.(2)


2/ مبدأ الإدماج:

       أي دمج الترتيبات المتعلقة بحماية البيئة والتنمية المستدامة عند إعداد المخططات والبرامج.

       وتعتبر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن الإدماج هو الوسيلة المتاحة للوصول إلى توافق بين الاقتصاد والبيئة، فأصبحت معظم القطاعات تتوسع لتشمل اعتبارات بيئية واجتماعية. ونجد بالتالي مهندسين معماريين ومهندسين، من كثير من أصحاب المهن،أصبحوا يأخذون في الحسبان معايير البيئة في نشاطاتهم.

     وإعمالا بهذا المبدأ أصبحت العديد من الدول في الخطط القطاعية تتبنى البعد البيئي للتنمية وأسس احترام البيئة وحمايتها والحفاظ عليها في إطار التنمية المستدامة، وباتت مختلف البرامج الحكومية تخضع لهذه الشروط قبل المرور إلى مرحلة التنفيذ، خاصة القطاعات التي لها تأثير مباشر على البيئة مثل الصناعة والفلاحة والعمران والأشغال العمومية.(3)

    ونظرا للمكانة الهامة التي تحتلها البيئة العمرانية في الوقاية من انتشار مظاهر تدهور البيئة أو اختلال توازنها عندما لا تتوفر تهيئة عمرانية يتم فيها إدماج التنمية المستدامة لتحسين ظروف عيش المواطنين من جهة وصيانة الموارد وترشيد استغلالها للأجيال المستقبلية من جهة ثانية إذ تعد التهيئة العمرانية عنصر أساسي في سياسات حماية البيئة، ومن خلال ذلك يمكن: اعتماد سياسة متكاملة في التهيئة العمرانية تمكن من توظيف أمثل للموارد الطبيعية والبشرية بما يتلاءم وحاجات المجتمع والتوازن البيئي: حماية التجمعات السكانية من الكوارث الطبيعية، واعتماد التخطيط العمراني لرسم سياسات التعمير.(4)

    ومما يتضح أن استخدام مبدأ الإدماج في حماية البيئة العمرانية يؤول إلى الجمع بين أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي لتوفير المسكن المناسب والقضاء على البناءات الهشة ولا يكون ذلك إلا بالاعتماد على الجانب الكمي والنوعي التي تحترم شروط البيئة باعتبارها حق للأجيال القادمة.


 ثالثا:مبدأ النشاط الوقائي وتصحيح الأضرار والحيطة

1/ مبدأ النشاط الوقائي وتصحيح الأضرار البيئية بالأولوية عند المصدر:

     ويكون ذلك باستخدام أحسن التقنيات المتوفرة وبتكلفة اقتصادية مقبولة ويلزم كل شخص يمكن أن يلحق نشاطه ضررا كبيرا بالبيئة هذا مع مراعاة مصالح الغير قبل التصرف.

   كمثال لتطبيق هذا المبدأ، قامت وزارة التهيئة العمرانية والبيئة في الجزائر سنة 2010 بوضع نظام جديد للتصفية بمصنع الإسمنت بولاية الشلف، بغرض تجنيب سكان هذه الولاية استنشاق الكميات الهائلة من الغبار والأتربة المتصاعدة من المصنع. النظام الجديد سيعمل على امتصاص المواد السامة بطرق تقنية حديثة وذلك باستبدال آليات التصفية القديمة بآلات متطورة لتصفية الغازات المنبعثة من المصنع وامتصاص المواد السامة بطرق تقنية حديثة، ويحد من انبعاث الغازات والأتربة والملوثات من المصنع وتصفيتها من الشوائب التي تعود بالضرر على البيئة وعلى الصحة العمومية للأشخاص كما سيحمي المحاصيل الزراعية من الهلاك بسبب الانبعاثات السامة التي أضرت كثيرا بالإنتاج الزراعي بولاية الشلف . وقد تم تجهيز مصانع الإسمنت، من مجموع 12 مصنعا بهذا النظام في الجزائر، في انتظار تعميم النظام على مصنعي الإسمنت لسعيدة وسور الغزلان خلال سنة 2011. (5)


2/ مبدأ الحيطة:

    يقصد لغويا بالحيطة أو الاحتياط تلك التدابير المتخذة لاستدراك أو تجنب الضرر والحد من آثاره المحتملة وهو قبل كل شيء تصرف أخلاقي يهدف إلى احترام وحماية البيئة، أما قانونيا فالمبدأ منصوص عليه ضمن المبدأ الخامس عشر من إعلان ريو ديجانيرو حول البيئة والتنمية والذي تضمنته أغلبية الاتفاقيات الموقعة بمناسبة أو بعد انعقاد مؤتمر " قمة الأرض " وهو بذلك يعطي معنى أولي للمبدأ بالإشارة إلى أنه لا يحتج بالافتقار إلى اليقين العلمي كسبب لتأجيل اتخاذ تدابير احتياطية لحماية البيئة .

    لا يوجد اتفاق على مفهوم واحد لهذا المبدأ، لكن المفهوم الأكثر رواجا في الوثائق الدولية الخاصة بالبيئة يبرز العناصر الأساسية لهذا المبدأ والمتمثلة بأنه في الحالة التي يكون فيها تهديد باحتمال وقوع أضرار بيئية خطيرة أو لا يمكن معالجتها، فإن غياب اليقين العلمي الذي يؤكد تلك الأضرار لا يجوز أن يكون سببا لعدم اتخاذ الإجراءات للوقاية من تلك الأضرار المحتملة وذلك بمنع وقوعها أو التخفيف من آثارها ضمن تكاليف اقتصادية معقولة.(6)

الفرع الثاني: المبادئ ذات الطابع التحسيسي

أولا: مبدأ الإعلام والمشاركة

    لكل شخص وفق هذا المبدأ الحق في أن يكون على علم بحالة البيئة والمشاركة في الإجراءات المسبقة عند اتخاذ القرارات التي تهم بالبيئة.

    من هذا منطلق يبرز حق المواطنين والمجتمع المدني في الحصول على معلومات تتعلق بحالة البيئة والتدابير والإجراءات الموجهة لضمان حماية البيئة وتنظيمها. وتكمن أهمية هذا المبدأ باعتبار أن حماية البيئة ليست مسؤولية الأجهزة الحكومية أو المؤسسات العاملة في مجال حماية البيئة وحدها، بل يتحمل الأفراد وأيضا الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات نصيبا من المسؤولية. لكن إشراك هذه الأطراف في الحفاظ على البيئة ، يتطلب توفير المعلومات البيئية لهم لتكون هذه الأطراف على دراية بالمشكلات البيئية السائدة والمساهمة في تذليل تلك المشكلات وإزالتها(7)

   وينبغي لتجسيد هذا المبتغى، أن تضطلع خلايا الاتصال المعتمدة لدى الهيئات البيئية المركزية والمحلية بدورها في إيصال المعلومات للمواطنين والقيام بدورها باعتبارها همزة وصل بين المسؤولين والإداريين وعامة المواطنين بهدف تكوين اتجاهات إيجابية نحو البيئة، وتنمية وعيهم البيئي وتجسيد أسس التربية البيئية من خلا رفع مستوى إدراكهم لأهمية مشاركتهم في حماية البيئة. 

 

ثانيا: مبدأ التحقيق العمومي


    هو إجراء يتم من خلاله إخضاع العملية المتوقعة إلى امتحان عمومي وإشراك جميع شركاء البيئة في اتخاذ القرار كإعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير ومخطط شغل الأراضي ورخصة البناء ويتم إعلام الجمهور بفتح التحقيق عن طريق التعليق في مقر الولاية والبلديات المعنية وفي أماكن المشروع والنشر في يوميتين وطنيتين(8)   ويحدد في الإعلان موضوع التحقيق ومدته التي يجب ألا تتجاوز شهرا من تاريخ تعليقه وكذا الأوقات والأماكن التي يمكن للجمهور أن يبدي فيها ملاحظاته فيها على سجل مرقم ومؤشر عليه مفتوح لهذا الغرض.

    وفي نفس الإطار يعين الوالي محافظا محققا لإجراء التحقيقات حول المشروع المزمع القيام به وتداعياته على البيئة(9)  . وفي نهاية مهمته يحرر المحافظ محضرا يحتوي على نتائج تحقيقاته ويرسله

إلى الوالي الذي يقوم بدوره بإرسال نسخة منه مع استنتاجات المحافظ إلى صاحب المشروع لتقديم مذكرة جوابية(10) .                                       

الفرع الثالث: المبادئ ذات الطابع الاقتصادي :  

                   

مبدأ الدافع الملوث: 

     عرفته الفقرة السابعة من المادة 03 من القانون 03/10 كالآتي:" الذي يتحمل بمقتضاه كل شخص يتسبب بنشاطه أو يمكن أن يتسبب في إلحاق الضرر بالبيئة نفقات كل تدابير الوقاية من التلوث والتقليص منه وإعادة الأماكن وبيئتها إلى حالتهما الأصلية ".

     ويستند هذا المبدأ على التعويض الذي يترتب على المتسبب بالضرر حسب القاعدة القانونية التي تقول بأن المتسبب بالضرر يدفع حتى وإن كان نتيجة خطأ، غير أن الضرر الواقع على البيئة نتيجة لهدم أنظمتها الإيكولوجية لا يصلح إلا من خلال إعادة الوضع إلى ما كان عليه، والوصول إلى هذا الحل غير ممكن، كما أن التعويض المالي لا يرقى إلى مستوى القيمة البيئية المراد التعويض عنها.(11)

وبالعودة إلى حادثة غلق مصنع إسمنت الأميونت بمفتاح وتعويض المتضررين بمبالغ طائلة بسبب ما لحق بهم من إصابات بمرض السرطان نتيجة التلوث، فإن هذا الإجراء لا يفي بالمطلوب وهو استعادة المصابين عافيتهم، مما يجعل مبدأ الملوث الدافع لإصلاح البيئة إجراء غير ذي جدوى إذا لحقت أضرار بليغة بالبيئة وبالأشخاص لا يمكن إصلاحها مهما ارتفعت مبالغ التعويض.

    ويؤكد تقرير للأمم المتحدة للبيئة، في هذا الصدد أن فوائد اتخاذ تدابير مبكرة وطموحة تفوق بكثير التكاليف التي تخصص لحل المشاكل البيئية القادمة .وتشير السيناريوهات المتعلقة بالتغيرات البيئية العالمية المقبلة إلى أن تنفيذ تدابير حازمة في الوقت الحاضر أقل تكلفة فعلا من انتظار التوصل إلى حلول أفضل، والتأخر في اتخاذ تدابير يؤدي أيضا بطريقة جائرة إلى تحويل عبء دفع قيمة هذه التكاليف إلى الأجيال المقبلة .(12)



([1]) جديد مصطفى، دور الجماعات المحلية في حماية البيئة بين النظم القانونية والممارسة الفعلية حسب التشريع الجزائري، دراسة حالة بلدية بوقطب البيض، مذكرة لنيل شهادة الماستر، تخصص قانون حماية البيئة، جامعة الدكتور مولاي الطاهر سعيدة، 2015/2016، ص 29.

([2]) رمضان عبد المجيد، المرجع السابق، ص54.

([3])جديد مصطفى، المرجع السابق، ص26.

([4])معيفي محمد، آليات حماية البيئة العمرانية في التشريع الجزائري، مذكرة من أجل الحصول على شهادة الماجستير في الحقوق، فرع قانون البيئة والعمران، جامعة الجزاءر1 بن يوسف بن خده، 2013/2014، ص44. 

([5])جديد مصطفى، المرجع السابق، ص27.

([6]) زرقان وليد، القانون الدولي للبيئة، محاضرات ألقيت على طلبة السنة الأولى ماستر مهني، تخصص قانون البيئة، جامعة محمد الأمين دباغين،سطيف2، 2016/2017، ص37.

([7]) رمضان عبد المجيد، المرجع نفسه، 54.

([8]) المادة 10 من المرسوم التنفيذي 07/145 المؤرخ في 19/05/2007 المتعلق بتحديد مجال تطبيق ومحتوى وكيفيات المصادقة على دراسة وموجز التأثير على البيئة، ج ر العدد 34.

([9]) المادة 13، المرجع نفسه.

([10]) المادة 15، المرجع نفسه.

([11])المرجع نفسه، نفس الصفحة.

([12])مرجع نفسه، ص55. 

الوسائل القانونية لحماية البيئة في الجزائر




هل اعجبك الموضوع :
author-img
الغزالة بشرى صديقة البيئة مدونة بيئية بامتياز, تعمل على نشر الوعي و التحسيس لثقافة البيئية

Commentaires

التنقل السريع